خطبة الجمعة الثانية: أَهَمِّيَّةُ الصَّدَاقَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ، د/ أحمد رمضان

خطبة الجمعة الثانية بعنوان : أهمية الصداقة لـ خطبة الجمعة القادمة : لا تغلو غي دينكم .. وما كان الرفق في شئ إلا زانه ، بتاريخ 14 صفر 1447هـ ، الموافق 8 أغسطس 2025م.
خطبة الجمعة الثانية بعنوان : أهمية الصداقة. د. أحمد رمضان
خطبة الجمعة الثانية بعنوان : أهمية الصداقة. د. أحمد رمضان
ننفرد حصرياخطبة الجمعة القادمة 8 أغسطس 2025م لوزارة الأوقاف بصيغة word : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. ومَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ بصيغة word
و لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 أغسطس 2025م لوزارة الأوقاف: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. ومَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ بصيغة pdf
لقراءة خطبة الجمعة الثانية بعنوان : أهمية الصداقة كما يلي:
خطبة الجمعة الثانية: أَهَمِّيَّةُ الصَّدَاقَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ
14 صفر 1447هـ – 8 أغسطس 2025م
إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان
المـــوضــــــــــوع
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ مَوَدَّةَ الْقُلُوبِ وَرَحْمَةَ الْإِخْوَةِ، وَجَعَلَ الْخُلَّةَ وَالصَّدَاقَةَ الصَّادِقَةَ مِفْتَاحًا لِرِضَاهُ وَسَبِيلًا لِلْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ. نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدًا يُوافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَلِيلُ الرَّحْمَةِ وَالصِّدْقِ وَالإِخْلَاصِ، أَرْسَى أُسُسَ الْمَوَدَّةِ وَالْوَفَاءِ، وَأَشْرَقَ بِصُحْبَتِهِ قُلُوبَ الْأُمَمِ وَالأَصْحَابِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، فَمَا أَنْقَى الْحَيَاةَ بِهَا، وَمَا أَجْمَلَ الْقُلُوبَ إِذَا صَفَتْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَرَافَقَهَا صَدِيقٌ صَالِحٌ!
العُنْصُرُ الأَوَّلُ: مَعْنَى الصَّدَاقَةِ وَقِيمَتُهَا فِي الإِسْلَامِ
إِخْوَةَ الإِيمَانِ، إِنَّ الصَّدَاقَةَ فِي الإِسْلَامِ أَسَاسُهَا النِّيَّةُ الصَّافِيَةُ، وَالْمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ، وَالْعَهْدُ عَلَى النُّصْحِ وَالْوَفَاءِ. وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، عَلِمَ أَنَّ الصَّدِيقَ عِبَارَةٌ عَنْ أَخٍ يُزَكِّي قَلْبَكَ، وَيَرْفَعُ هِمَّتَكَ، وَيَقُودُكَ لِمَجَالِسِ الْخَيْرِ,
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]،
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ” رواه أبو داود 4832، والترمذي 2395.
قِصَّةٌ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ: لَمَّا أُوذِيَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الطَّائِفِ، وَضَرَبَهُ سُفَهَاءُ الْقَوْمِ بِالْحِجَارَةِ، لَمْ يَجِدْ سَنَدًا يُوَاسِيهِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ الصَّعْبَةِ إِلَّا مَوْلَاهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ– الَّذِي جَرَى أَمَامَهُ يُدَافِعُ عَنْهُ بِجَسَدِهِ، حَتَّى أُصِيبَ فِي رَأْسِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ وَيُوَاسِيهِ. فَهَذِهِ هِيَ الْخُلَّةُ الَّتِي تَصْدُقُ فِي الشِّدَّةِ، وَتُظْهِرُ الْمَعْدِنَ عِنْدَ الْمِحْنَةِ.
قِصَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيِّ ﷺ فِي الْغَارِ: عِنْدَمَا دَخَلَا الْغَارَ يَوْمَ الْهِجْرَةِ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُرِيدُ أَنْ يَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ يَسُدُّ كُلَّ ثُقْبٍ بِيَدِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ ثُقْبٌ وَضَعَ فِيهِ قَدَمَهُ حَتَّى لُدِغَ، فَبَكَى مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فسقط الدمع علي النَّبِيُّ ﷺ ، وَدَعَا لَهُ. (انظر: سيرة ابن هشام، ج2، ص126 وما بعدها).
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ أَرَادَ صُحْبَةَ مَنْ لَا يُسِيءُ، فَلْيُصَاحِبِ الْمَلَائِكَةَ! وَالصَّدِيقُ هُوَ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى عُيُوبِكَ وَيُصْلِحُهَا.
قِصَّةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَصَدِيقِهِ: ذُكِرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ – رَحِمَهُ اللَّهُ- كَانَ لَهُ صَدِيقٌ مَرِضَ شَهْرًا، فَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا، وَكَانَ يَحْمِلُ لَهُ الطَّعَامَ وَالدَّوَاءَ، وَيَدْعُو لَهُ وَيُوَاسِيهِ، فَلَمَّا شُفِيَ، قَالَ: «مَا وَجَدْتُ لَذَّةَ الصِّحَّةِ إِلَّا بِوَفَاءِ صَدِيقٍ”.
فَالصَّدَاقَةُ فِي الإِسْلَامِ عَقْدٌ عَلَى الْمَوَدَّةِ وَمِيثَاقُ عَوْنٍ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَمَنْ أَخْلَصَ فِيهَا رَفَعَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
العُنْصُرُ الثَّانِي: مَوَازِينُ الصَّدَاقَةِ وَمَعَالِمُ الصَّدِيقِ الْحَقِيقِيِّ
يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الصَّدَاقَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ زِينَةَ الْمَجَالِسِ وَلَا مُجَرَّدَ تَحَايَا وَبَسَمَاتٍ، بَلْ هِيَ سِرُّ قُوَّةِ الْقُلُوبِ وَعِزَّةِ الْمُجْتَمَعِ. فَالصَّدِيقُ الْحَقُّ هُوَ مَنْ يَقِفُ مَعَكَ فِي الشِّدَّةِ قَبْلَ الرَّخَاءِ، وَيُقَوِّي إِيمَانَكَ عِنْدَ الضَّعْفِ، وَيَذْكُرُكَ إِذَا نَسِيتَ، وَيَدُلُّكَ إِذَا ضَلَلْتَ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَنْهُ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ” رواه أبو داود، ح4918، صحيح.
قِصَّةُ سُلَيْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَا أَخَوَيْنِ فِي اللَّهِ، فَلَمَّا زَارَ سُلَيْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَجَدَهُ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَهْمِلُ أَهْلَهُ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: “إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ”. فَلَمَّا ذَهَبَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “صَدَقَ سُلَيْمَانُ” [البخاري، ح1968].
فَانْظُرُوا إِلَى الصَّدِيقِ الْحَقِيقِيِّ، كَيْفَ يُصَحِّحُ مَسَارَ صَدِيقِهِ وَيُقَوِّمُ عِبَادَتَهُ دُونَ غِلْظَةٍ وَلَا تَرْكٍ لِلنَّصِيحَةِ.
قِصَّةُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ أَبُو مُوسَى يُحِبُّ مُعَاذًا حُبًّا عَظِيمًا، وَعِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ لَهُ مُعَاذٌ: “يَا أَبَا مُوسَى، تَذَكَّرْ صُحْبَتَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، فَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو لَهُ بِالْجَنَّةِ وَحُسْنِ الْخِتَامِ. هَذَا هُوَ الْوَفَاءُ فِي أَعْظَمِ صُوَرِهِ؛ تَدُومُ الْمَوَدَّةُ حَتَّى آخِرِ الْعُمْرِ، بَلْ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَمَاتِ.
قِصَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَنَاصَحَانِ بِمَا يَحْفَظُ الإِيمَانَ وَيُحَقِّقُ التَّوَاضُعَ. وَعِنْدَمَا وَلِيَ عُمَرُ الْخِلَافَةَ، جَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مُسْتَشَارَهُ الْخَاصَّ؛ لا يَبْدَأُ أَمْرًا جَلِيلًا إِلَّا بِنُصْحِهِ وَمَشُورَتِهِ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُ: “لَا خَيْرَ فِي أُمَّةٍ لَا يَتَنَاصَحُ أَهْلُهَا، وَلَا يَتَوَاصَوْنَ بِالصِّدْقِ”.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَعَلَّمْنَا الأُخُوَّةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ؛ يَزُورُ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ، وَيَحْمِلُ هَمَّهُ، وَيَسْتُرُ عَيْبَهُ.
قِصَّةٌ جَمِيلَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ: ذُكِرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ يُسَافِرُ مَعَهُ كَثِيرًا، وَفِي يَوْمٍ ضَاعَ مَالُ هَذَا الصَّدِيقِ، فَقَسَّمَ سَعِيدٌ مَالَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَدِيقِهِ دُونَ أَنْ يُشْعِرَهُ بِالْمَنِّ وَالتَّفْضِيلِ. فَقَالَ لَهُ صَدِيقُهُ: “وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُ أَحَدًا يُضَحِّي كَأَنْتَ إِلَّا أَنَّهُ أَخٌ فِي اللَّهِ صَادِقٌ”.
إِذَنْ، يَا أَحِبَّتِي، الصَّدَاقَةُ الْحَقَّةُ هِيَ جِسْرُ الْخَيْرِ، وَنَبْعُ النَّصِيحَةِ، وَحِصْنُ الْإِيمَانِ، وَالْمِرْآةُ الصَّافِيَةُ الَّتِي يَرَى الْمُؤْمِنُ فِيهَا عُيُوبَهُ وَيُصْلِحُ نَفْسَهُ. فَاسْعَوْا إِلَى صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ، فَإِنَّهُمْ زَادُكُمْ يَوْمَ الْعُسْرَةِ، وَمِصْبَاحُكُمْ فِي الظُّلْمَةِ.
العُنْصُرُ الثَّالِثُ: مَقَايِيسُ الصَّدَاقَةِ الصَّحِيحَةِ وَسُبُلُ حِفْظِهَا فِي الإِسْلَامِ
أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لَيْسَ كُلُّ مَنْ صَاحَبَكَ صَدِيقًا حَقًّا، فَالصَّدِيقُ فِي الْمِيزَانِ الشَّرْعِيِّ هُوَ الَّذِي يَرْعَى حُقُوقَكَ فِي حُضُورِكَ وَغَيْبِكَ، وَيَدْعُو لَكَ فِي السِّرِّ كَمَا يَدْعُو لِنَفْسِهِ، وَيَحْفَظُ وَدَّكَ وَلَوْ تَبَاعَدَتِ الْمَسَافَاتُ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ”. رواه البخاري: ح2442، ومسلم: ح2580.
فَمِنْ مَقَايِيسِ الصَّدَاقَةِ الْحَقَّةِ:
- النَّصِيحَةُ بِحُبٍّ وَحِكْمَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ ينصح أصحابه بِلِينٍ وَرِفْقٍ، وَقَالَ: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ» [مسلم، ح55].
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: “الْمُؤْمِنُ يَسْتُرُ وَيَنْصَحُ، وَالْفَاجِرُ يَهْتِكُ وَيُفْضَحُ” [الإحياء، ج2، ص181].
- حِفْظُ الْغَيْبَةِ وَالسِّتْرُ عَلَى الْأَخِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَكْمَلَ الإِخَاءَ: إِذَا غَضِبَ لَمْ يُظْهِرْ عَيْبَ صَاحِبِهِ، وَإِذَا رَضِيَ لَمْ يَزِدْهُ فِي الْمَحَبَّةِ، وَإِذَا قَدَرَ لَمْ يَنْتَصِرْ عَلَيْهِ”.
- الْوَفَاءُ وَحُسْنُ الْعَهْدِ: ذَكَرُوا عَنِ الْفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: “مَا أَعْطَى الْعَبْدُ أَخَاهُ عَطَاءً أَفْضَلَ مِنْ صُحْبَةٍ صَالِحَةٍ، فَإِنَّ الصُّحْبَةَ تَجْلِبُ الْمَحَبَّةَ وَتَزِيدُ الْإِيمَانَ”.
قِصَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْوَفَاءِ: ذُكِرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يَزُورُ أُمَّ أَيْمَنَ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَزُورُهَا، فَيَقُولُ: “مَا تَرَكْنَا عَهْدَ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ” [البخاري، ح3756]. فَالصَّدَاقَةُ وَفَاءٌ يَسْتَمِرُّ وَإِنْ غَابَ الْحَبِيبُ.
- المُوَاسَاةُ وَالْمُؤَازَرَةُ
مِنْ أَجْمَلِ أَخْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَفَقَّدُونَ أَحْوَالَ بَعْضِهِمْ، فَلَا يَتْرُكُونَ أَخًا لَهُمْ فِي ضِيقٍ أَوْ حَاجَةٍ، بَلْ يَبَادِرُونَ بِالْمُسَاعَدَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ. وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ–: “الصَّدِيقُ وَدِيعَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ” [الإحياء، ج2، ص189].
قِصَّةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ لَهُ أَصْدِقَاءُ فِي مَكَّةَ، فَإِذَا قَدِمَ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسَافِرِينَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ وَيَبْكِي شَوْقًا إِلَيْهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ وَلَوْ مَاتُوا، وَيُوَاسِي أَهْلَهُمْ، قِيلَ لَهُ: مَا يُحَرِّكُكَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْغِيَابِ؟ قَالَ: “الْوَفَاءُ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ دَامَ وُدُّهُ”.
- حُسْنُ اخْتِيَارِ الصَّدِيقِ وَمَصَاحَبَةِ الأَخْيَارِ: فِي أَثَرٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مَكَانَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَلْيَنْظُرْ مَنْ يُصَاحِبُ”.
وَصِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ” أبو داود، ح4832.
فَأَيْنَ أَنْتَ- عَبْدَ اللَّهِ – مِنْ هَذِهِ الْمَقَايِيسِ؟!
انْظُرْ فِيمَنْ تَصْحَبُ، وَمَنْ تُسَرِّحُ لَهُ قَلْبَكَ وَعَقْلَكَ. فَإِنَّ الصَّدِيقَ الطَّيِّبَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ، وَالسَّيِّئَ بَلَاءٌ وَعِقَابٌ. وَحَافِظْ عَلَى أَصْدِقَائِكَ كَمَا تُحَافِظُ عَلَى جَوْهَرِكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِلصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يُحِبُّ فِي اللَّهِ وَيَبْذُلُ فِي اللَّهِ، وَارْزُقْنَا صَدَاقَةً تَرْفَعُ إِيمَانَنَا، وَتَجْمَعُ قُلُوبَنَا عَلَى الْخَيْرِ، آمِينَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ الصَّدَاقَةَ الصَّادِقَةَ هِيَ الزَّادُ فِي مِحَنِ الدُّنْيَا، وَالْجِسْرُ الَّذِي تَعْبُرُ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ. فَتَعَاهَدُوا أَصْدِقَاءَكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالنُّصْحِ وَالْوَفَاءِ، وَاحْفَظُوا مَا بَيْنَكُمْ مِنْ مَحَبَّةٍ، فَإِنَّهَا أَثْمَنُ مِنْ كُلِّ كَنْزٍ.
تَذَكَّرُوا قَوْلَ الرَّسُولِ ﷺ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ… وذكر منهم “وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ” متفقٌ عليه: البخاري ح660، مسلم ح1031]>
فَمَنْ أَرَادَ مِظَلَّةَ الرَّحْمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْيَصْدُقِ الْمَحَبَّةَ وَلْيُخْلِصِ الصَّدَاقَةَ.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَزَيِّنَّا بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ تَصَافَوْا فِي الْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَالْمَرْحَمَةِ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صَدِيقًا صَالِحًا، وَارْزُقْنَا حُسْنَ الْوَفَاءِ وَالإِخْلَاصِ.
اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَزَيِّنْهَا بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ، وَاجْمَعْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ يَوْمَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَقِمِ الصَّلَاةَ، يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ.
د. أحمد رمضان
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف